فائض عن التخزين




تطالعنا المنشورات التي تخبرنا أين تختبئ أحزاننا وخيباتنا بشكل لا يمكننا معه أن نحكم بصحة ما يتم الترويج له.
إنهم يفسرون لنا لماذا نستيقظ  بفك موجوع عقب حرب طاحنة أثناء نومنا مع الأفكار التي يخزنها العقل الباطن، ويعللون لذلك بأن مشاعر الغضب تختزن في الفك وأن علينا  أن نأخذ نفسا عميقا بفتح الفك عند الشهيق والزفير.
وأن مشاعر التوتر تختزن في الرقبة ويعيدوننا لدائرة التنفس.
 هم يخبروننا  أيضا بأن مشاعر الحسرة تختزن في الأكتاف وأن علينا أن نأخذ شهيقا كبيرا ونحن نهز أكتافنا   باتجاه الأذن  أما مشاعر الحزن والخيبات العاطفية ففي الصدر ويعيدوننا للتنفس!
يالمجانية النصائح !
ليت الأمور تحل بالأنفاس .

يوميات لايكترث لها أحد










لم أعد أشعر بالذنب وأنا أهرب من الثرثرات المجانية، كما لم تعد تهمني نظرة الناس لي على أنني شخصية تتحاشى الأحاديث الطويلة فمذ تصالحت مع فكرة أن الله خلقنا مختلفين لنتكامل، وأن الله عندما يضع في طريقي محبي الثرثرة يختبرني لأكون صبورة صارت المسألة سهلة عليّ لاتشعرني بالعار كما كنت أشعر في سن المراهقة.
منذ مدة ابتكرت لي طريقة لأطيل مدة تماريني تحت الماء( الأكوا) فصرت ارتدي سماعات ضد الماء واستمع للبود كاستات بجعل التشغيل تلقائي، بحيث  لاأختار.. لأعطي فرصة للأشياء التي لا أهتم لها بالدخول في دائرة اهتماماتي. 
هذه الفكرة صارت جامحة عندي عقب الانتهاء من  جميع ترقياتي العلمية التي صرت أشعر بعدها بحجم جهلي  وأبحث عما يسد هذا الشعور باعتناق معارف جديدة قد تكون فكرة لماأودعه الله في للمساهمة في إعمار هذه الأرض.
وضعت السماعات وصرت أتمرن بسلاسة وانتعاش وأنا استمع لأول مرة لبودكاست كنت أتحاشى اختياره لأنني كنت أراه محض ثرثرة  وعندما تخلصت من فكرة الاختيار والحكم المسبق وجدت فيه مالم أكن أراه وأنا أقبل عليه بحكم مسبق.
في وسط هذه المتعة الجديدة اعترضت طريقي امرأة طيبة ووقورة كانت مستجدة على المسبح وتريد الحديث الذي أهرب منه.
ولأنني أتحلى ببعض الذوق -لاأريد أن أقول كله لأكون  واقعية- حاولت أن  أوجه الحديث من كلام لخدمة حتى أستطيع الانسلال بهدوء لأكمل استماعي.
-أنا خائفة
- جديدة على المسبح؟
- نعم
- طيب حاولي أن تكون تمارينك بالقرب من حدود المسبح سيعتاد عقلك مع الأيام عليه وسيزول الخوف
- لكني أخاف
- حسنا مارأيك أن تفعلي مثلي الآن تمرين بسيط ولن تغادري حدود المسبح
-لكنني أخاف
- الخوف فكرة في رأسك وحدك لايراها العالم يمكنك أن تقضي عليها قبل أن تقضي عليك
- ياساتر( ليه تقولي كذا؟)
انتبهت أنني أتحدث لامرأة لاعلاقة لها بمااكتب وماتخصصت فيه ولاتعرفني أصلا فكيف تحدثت معها بهذه الطريقة؟
- أقصد أننا بشر ضعفاء يهزمنا الشيطان بوسوسته ليضعفنا والمؤمن القوي عند الله خير من المؤمن الضعيف
-صدقتِ.. كلامك يحمس ويشرح الصدر.
-طيب مارأيك نكمل رياضتنا حتى لايلهينا الشيطان هههه
- لاأبد معتس الشيطان ماهو حاضر بالعكس خلينا نسولف ونمشي حج وحاجة
-أمممم بودي لكن لاأستطيع الخروج من المسبح لأطفئ البودكاست وصوته وهو يتكلم مع الأصوات في الخارج يوترني
- ياعمري أثرتس تسمعين  شيء أسفه الله يسمح  دربتس ويجزاتس عني كل خير 
-سعدت بك
 أكملت الرياضة لكن تفكيري مشتت  رغم أن الصوت يعمل في الخلفية
هل أنا هشة إلى هذا الحد؟ لماذا صفوي يتعامل معي بحساسية عالية؟ ماذا كنت سأخسر لو أنني أكملت معها الحديث واعتبرت هذا اليوم مفتوح للتعارف؟
لكنني من أعوام استمع لكلام مستهلك ولأناس متشابهين  ولتذمر يسرقني من التأمل.
لست على خطأ  هذا الذي  أستطيع أن أقوله لنفسي هذه اللحظة  حتى تبين لي الحياة العكس فأنا فيها أتعلم.

الشعور الحي في طور الكتابة





أصعب وداع اللي بلا.. وين بتروح؟
تحس لأول مرة ...إنك ولاشيء
والأصعب إنك تبتسم وأنت مجروح
وتلوّح بنظراتك.. (اتودع )الضي
لحظة تشوف إن الفضاء ليل مذبوح
والكون منفى وأنت ماغيرك الحي
وأربع جهاتك صوت يائس ومبحوح
مخنوق بأقصى الذاكرة وأبعد شوي
أقسى( فمان) الله مرت على الروح
تطوي سنين الحلم في داخلي طي
والموت ماتدري.. لوين أنت  بتروح؟!
بعد الوداع تحس كلك ولاشيء!

أقف أمام هذه البكائية الصامتة وأنا أجاهد نفسي في تقليم أنامل الوجع الذي يتعرى في اللاشعور لينكث كل تداعيات الحزن المكبوتة، والمتغاضى عنها.
أقف وتغالبني نزعتي الشرقية في محاولة تحميل الشاعر مسؤولية شعوري بصدق التجربة هنا.
هذه الأبيات للشاعر فهد المسبحي الذي حاولت جهدي أبحث له عن نتاج آخر فلم أعد ببغيتي من رحلة البحث القوقلية
من منا مر بكل هذا الدمار الداخلي الشامل دون أن يشعربه أحد؟ دون أن يبوح؟
من منا استطاع أن يوصف هذا الشعور المتأرجح بين الكبرياء والحزن ومرارة الإهانة؟!

أقسى وداع اللي بلا وين بتروح!

فرقة إنقاذ خفية





من هنا تبدأ الحياة!
العبارة الجديرة بالنطق أولا عندما تشعر بأن هذا العالم بأسره قد تخلى عنك في موقف كنت تحتاج فيه إلى من يسندك برأي حازم يمضيه فورا نظير سمعتك الطيبة، أو عملك الدؤوب،أو إخلاصك في عملك.
كلنا تلك الأنا المنقذة عندما تضطرنا الظروف.
لايكفي أن تكون نبيلا، مخلصا، راقيا في هذا العالم حتى لاتسدد لك الحياة لكماتها.
الشر المولود من رحم بعض الخير، هو الشر الذي قيل عنه: لابد منه.
هذا ألابد منه هو واحدمن تجارب الحياة التي تمنحنا فرصة العودة إلى اختبار قدرتنا على وضع حد فوري لكل الألم الذي يقوم بتصنيع نفسه في أعماقنا.

من هنا تبدأ الحياة !
عبارة ستضطر لقولها بثقة وأنت في معمعة الألم والرغبة في الخلاص، هذه الجملة هي فرقة انقاذ خفية تعيد لك التوازن  متى مانطقت بها وأنت مقررا تنفيذ فحواها.


العودة إلى الأعماق




مهما أشرقتَ، ستظل تحمل حزنك القديم معك !

نفسك المجبولة على الوحدة؛ملّت المجاملات الكلامية.

 ملّت لضربات التي لاتطيق عليها صبرًا.

أنت كدمة كبيرة!

بل قبيلة من الكدمات!

تواري ملامحك عن الآخرين، حتى لايروا حجم خيبتك فيها.

ملامحك المحنّطة مؤخرًا؛ صارت وجه مصمت.

حتى ابتسامتك؛صارت تأتي على هيئة وجوم.

مهما أشرقت من الداخل،  لن يرى سطوعك أحد.

أنت الآن تنكفئ..

تتقوقع..

 تقرر أن تعود إلى أصلك الوحيد الذي لايثق إلا في أعماقه.

وهذا جيّد.. 

بل ربما جيّد جدًا! 




جذور عارية

-أين أنتِ الآن؟
- واقفةٌ على ناصبة الحلم؛ لكنّني لاأقاتل 
فقط أنظر إليكَ بقلب دامع، وأنتَ تُحاولُ تقليم أطراف حضوري في عالمك.

كنتُ أُمسك لكَ بالأطراف التي يصعب  عليك  تقليمها؛حتى لاأشقيك بمايخصني. 
 
أعلم جيدًا، وبوعي تام كيف يمكن للوجع أن يشحذ سكاكينه، ويغرسها في قلب أنثى تقاومه باسم الكبرياء؛ لكنه هو الآخر يقتلها.

كنتَ شيئًا جميلًا في حياة باهتة.
لا!
لم تكن شيئًا!
 بل كنتَ كلّ شيء يستحق في تلك الحياة.

-هل مازلتِ هناك؟

- نعم.. 
أتأمّلك بحزن شديد.
هل أجهدكَ التقليم؟

-جدًا!
كنتِ متجذِّرة  بشكل موجع.
شعرتُ، وأنا أحاول اجتثاثك، كأنني اقتلع جذوري.

تعرفين!
مذ بدأتُ تقليم الأطراف؛ شعرتُ بأنني عضو في جوقة أصوات الفوضى.
لم يكن لدي صوت داخلي يحثني على المضي؛ فغدوتُ كحبةِ قمحٍ في مطحنة الشكوك.
مختلفان! 
لكننا نلتحمُ بشكل مدهش.

كلانا هرب من الآخر بكل ماأوتي من قوة في بادئ الأمر؛ لكننا فشلنا!
وكأنه الهرب المؤدي  للالتحام !
لم أقامر معكِ بقلبي  كما أوصاني (مارك توين) 
عندما قال:
" عندما تحاول اصطياد الحبّ  قامر بقلبك، لابعقلك"
اصطادك عقلي،واقنع فيك قلبي ؛حتى تجذّرتِ بشكل مؤلم، بينما بقيتُ أنا معك كشجرة مقلوبة؛ جذورها في العراء.
أحبكِ، وأخاف سلطانك علي.

- توجعني، وأنت تحاول أن تشكك في 
منزلتك عندي. 
توجعني، وأنت تتركني في مهب الريح.
توجعني، وأنت ...

أظنك صرتَ تعرف أوجاعي؛ فلا داعي  لسردها.

هل نكمل التقليم الآن؟

...-